شريط جانبي للتواصل الاجتماعي

ترحيب بالزائرين

اتمنى لكم قضاء وقت ممتع عبر صفحتى ولكم تحيتى

Google Plus

الاثنين، 11 أغسطس 2014

(7) ك- حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان - ألف ليلة وليلة





(7) ك- حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان - ألف ليلة وليلة
 وفي الليلة الرابعة والثمانين
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان قالت: فقال عمر بن عبد العزيز: إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وعذاباً لقوم آخرين ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه وترك للناس نهراً يروي عطاشهم، ثم قال أبو بكر خليفة بعده فأجرى النهر مجراه وعمل ما يرضي الله، ثم قام عمر بعد أبي بكر فعمل خير أعمال الأبرار واجتهد اجتهاداً ما يقدر أحد على مثله، فلما قام عثمان اشتق من النهر نهراً ثم ولى معاوية فاشتق منه يزيد وبنو مروان كعبد الملك والوليد وسليمان حتى آل الأمر إلي فأحببت أن أرد النهر إلى ما كان عليه فقالت: قد أردت كلامك ومذكراتك فقط فإن كانت هذه مقالتك فلست بذاكرة لك شيئاً ورجعت إلى بني أمية فقالت لهم: ذوقوا عاقبة أمركم بتزويجكم إلى عمر بن الخطاب.
وقيل لما حضر عمر بن عبد العزيز الوفاة جمع أولاده حوله فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين كيف تترك أولادك فقراء وأنت راعيهم، فما يمنعك أحد في حياتك في أن تعطيهم من بيت المال ما يغنيهم وهذا أولى من أن ترجعه إلى الوالي بعدك؟ فنظر إلى مسلمة نظرة مغضب متعجب ثم قال: يا مسلمة منعتهم أيام حياتي فكيف أشقى بهم في مماتي؟ إن أولادي ما بين رجلين إما مطيع لله تعلى فالله يصلح شأنه وإما عاص فما كنت لأعينه على معصيته، يا مسلمة إني حضرت وإياك حين دفن بعض بني مروان فحملتني عيني فرأيته في المنام أفضى إلي أمر من أمور الله عز وجل فهالني وراعني فعاهدت الله أن لا أعمل عمله إن وليت، وقد اجتهدت في ذلك مدة حياتي وأرجو أن أفضي إلى عفو ربي، قال مسلمة: بقي رجل حضرت دفنه فلما فرغت من دفنه حملتني عيني فرأيته فيما يرى النائم في روضة فيها أنهار جارية وعليه ثياب بيض فأقبل علي وقال: يا مسلمة لمثل هذا فليعمل العاملون ونحو هذا كثير. وقال بعض الثقات: كنت أحلب الغنم في خلافة عمر بن عبد العزيز فمررت براع فرأيت مع غنمه ذئباً أو ذئاباً فظننت أنها كلابه ولم أكن رأيت الذئاب قبل ذلك فقلت له: ماذا تصنع بهذه الكلاب؟ فقال: إنها ليست كلاباً بل هي ذئاب فقلت: هل ذئاب في غنم لم تضرها؟ فقال: إذا أصلح الرأس صلح الجسد. وخطب عمر بن عبد العزيز على منبر من طين فحمد الله وأثنى عليه، ثم تكلم بثلاث كلمات فقال: أيها الناس أصلحوا أسراركم لتصلح علانيتكم لإخوانكم وتكفوا أمر دنياكم واعلموا أن الرجل ليس بينه وبين آدم رجل حي في الموتى، مات عبد الملك ومن قبله ويموت عمر ومن بعده، فقال له مسلمة: يا أمير المؤمنين لو علمنا أنك متكئاً لتقعد عليه قليلاً فقال: أخاف أن يكون في عنقي منه يوم القيامة، ثم شهق شهقة فخر مغشياً. فقالت فاطمة: يا مريم يا مزاحم يا فلان انظروا هذا الرجل فجاءت فاطمة تصب عليه الماء وتبكي حتى أفاق من غشيته فرآها تبكي فقال: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أمير المؤمنين رأيت مصرعك بين أيدينا فتذكرت مصرعك بين يدي الله عز وجل للموت وتخليك عن الدنيا وفراقك لنا فذاك الذي أبكانا فقال: حسبك يا فاطمة فلقد أبلغت، ثم أراد القيام فنهض ثم سقط فضمته فاطمة إليها وقالت: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ما نستطيع أن نكلمك كلنا. ثم إن نزهة الزمان قالت لأخيها شركان وللقضاة الأربعة تتمة الفصل الثاني من الباب الأول. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 وفي الليلة الخامسة والثمانين
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان قالت لأخيها شركان وهي لم تعرفه بحضور القضاة الأربعة والتاجر تتمة الفصل الثاني من الباب الأول اتفق أن كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الموسم: أما بعد فإني أشهد الله في الشهر الحرام ولبلد حرام ويوم الحج الأكبر أني أبرأ في ظلمكم وعدوان من اعتدى عليكم أن أكون أمرت بذلك أو تعمدته أو يكون أمر من أموره بلغني أو أحاط به علمي وأرجو أن يكون لذلك موضع من الغفران إلا أنه لا أذن مني بظلم أحد فإني مسئول عن كل مظلوم إلا وأي عامل من عمالي زاغ عن الحق وعمل بلا كتاب ولا سنة، فلا له طاعة عليكم حتى يرجع إلى الحق. وقال رضي الله عنه: ما أحب أن يخفف عني الموت لأنه آخرة يجر عليه المؤمن. وقال بعض الثقات: قدمت على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فرأيت بين يديه اثني عشر درهماً فأمر وضعها في بيت المال. قلت: يا أمير المؤمنين إنك أفقرت أولادك وجعلتهم عيالاً لا شيء لهم فلوا أوصيت إليهم بشيء ولى من هو فقير من أهل بيتك فقال: ادن مني فدنوت منه فقال: أما قولك أفقرت أولادك فأوص إليهم أو إلى من هو فقير من أهل بيتك فغير سديد لأن الله خليفتي على أولادي وعلى من هو فقير من أهل بيتي وهو وكيل عليهم وهم ما بين رجلين إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجاً وإما رجل معتكف على المعاصي فإني لم أكن لأقويه على معصية الله ثم بعث إليهم وأحضرهم بين يديه وكانوا اثني عشر ذكراً، فلما نظر إليهم ذرفت عيناه بالدموع ثم قال: إن أباكم ما بين أمرين: إما أن تستغنوا فيدخل أبوكم النار وإما أن تفتقروا فيدخل أبوكم الجنة ودخول أبيكم الجنة أحب إليه من أن تستغنوا، فدموا قد وكلت أمركم إلى الله.
وقال خالد بن صفوان: صحبني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك فلما قدمت عليه وقد خرج بقرابته وخدمه فنزل في أرض وضرب له خيام، فلما أخذت الناس مجالسهم خرجت من ناحية البساط فنظرت إليه فلما صارت عيني في عينه قلت له: تمم الله نعمته عليك يا أمير المؤمنين إني أجد لك نصيحة أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك، فاستوى جالساً وكان متكئاً وقال: هات ما عندك يا ابن صفوان فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكاً من الملوك خرج قبلك في عام قبل عامك هذا إلى هذه الأرض فقال لجلسائه: هل رأيتم مثل ما أنا فيه؟ وهل أعطى أحد مثل ما أعطيته؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة والمعينين على الحق السالكين في منهاجه فقال أيها الملك إنك سألت عن أمر عظيم أتأذن لي في الجواب عنه؟ قال: نعم قال: رأيت الذي أنت فيه لم يزل زائلاً فقال: هو شيء زائل. قال: فما لي أراك قد أعجبت بشيء تكون فيه قليلاً وتسأل عنه طويلاً وتكون عند حسابه مرتهناً؟ قال: فأين المهرب وأين المطلب؟ قال: إن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة الله تعالى أو تلبس أطمارك وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك فإذا كان السحر فإني قادم عليك. قال خالد بن صفوان: ثم إن الرجل قرع عليه بابه عند السحر فرآه قد وضع تاجه وتهيأ للسياحة من عظم موعظته فبكى هشام بن عبد الملك بكاءاً كثيراً حتى بلل لحيته وأمر بنزع ما عليه ولزم قصره فأتت الموالي والخدم إلى خالد بن صفوان وقالوا: أهكذا فعلت يا أمير المؤمنين أفسدت لذته ونغصت حياته؟ ثم إن نزهة الزمان قالت لشركان: وكم في هذا الباب من النصائح، وإني أعجز عن الاتيان بجميع ما في هذا الباب في مجلس واحد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الليلة السادسة والثمانين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان قالت لشركان: وكم في هذا الباب من النصائح وإني لأعجز عن الإتيان لك بجميع ما قيل في هذا الباب في مجلس واحد ولكن على طول الأيام يا ملك الزمان يكون خيراً، فقال القضاة: أيها الملك إن هذه الجارية أعجوبة الزمان ويتيمة العصر والأوان فإننا ما رأينا ولا سمعنا بمثلها في زمن من الأزمان، ثم إنهم ودعوا الملك وانصرفوا، فعند ذلك التفت شركان إلى خدمه وقال لهم: اشرعوا في عمل العرس وهيئوا الطعام من جميع الألوان فامتثلوا أمره في الحال وهيأوا جميع الأطعمة وأمر نساء الأمراء والوزراء وعظماء الدولة أن لا ينصرفوا حتى يحضروا جلاء العروس، فما جاء وقت العصر حتى مدوا السفرة مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأكل جميع الناس حتى اكتفوا، وأمر الملك أن تحضر كل مغنية في دمشق فحضرن وكذلك جواري الملك اللاتي يعرفن الغناء وطلع جميعهن إلى القصر. فلما أتى المساء وأظلم الظلام أوقدوا الشموع في باب القلعة إلى باب القصر يميناً وشمالاً ومشى الأمراء والوزراء والكبراء بين يدي الملك شركان وأخذت المواشط الصبية ليزينها ويلبسنها فرأينها لا تحتاج إلى زينة وكان الملك شركان قد دخل الحمام، فلما خرج جلس على المنصة وجليت عليه العروس ثم خففوا عنها ثيابها وأوصوها بما توسى به البنات ليلة الزفاف ودخل عليها شركان وأخذ وجهها وعلقت منه في تلك الليلة وأعلمته بذلك ففرح فرحاً شديداً وأمر الحكماء أن يكتبوا تاريخ الحمل، فلما أصبح جلس على الكرسي وطلع له أرباب دولته وهنئوه وأحضر كاتب سره وأمره أن يكتب كتاباً لوالده عمر النعمان بأنه اشترى جارية ذات علم وخلق قد حوت فنون الحكمة وأنه لا بد من إرسالها إلى بغداد لتزور أخاه ضوء المكان وأخته نزهة الزمان وأنه أعتقها وكتب كتابه عليها ودخل بها وحملت منه. ثم ختم الكتاب وأرسله إلى أبيه بصحبة بريد فطال ذلك البريد شهراً كاملاً ثم رجع إليه بجوابه وناوله فأخذه وقرأه فإذا فيه البسملة هذا من عند الحائر الولهان الذي فقد الولدان وهجر الأوطان الملك عمر النعمان إلى ولده شركان، اعلم أنه بعد مسيرك من عندي ضاق علي المكان حتى لا أستطيع صبراً ولا أقدر أن أكتم سراً، وسبب ذلك أنني ذهبت إلى الصيد والقنص وكان ضوء المكان قد طلب مني الذهاب إلى الحجاز فخفت عليه من نوائب الزمان ومنعته من السفر إلى العام الثاني أو الثالث، فلما ذهبت إلى الصيد والقنص غبت شهراً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك عمر النعمان قال في مكتوبه: فلما ذهبت إلى الصيد والقنص غبت شهراً فلما أتيت وجدت أخاك وأختك أخذا شيئاً من المال وسافرا مع الحجاج خفية، فلما علمت بذلك ضاق بي الفضاء وقد انتظرت مجيء الحجاج لعلهما يجيئان فلما جاء الحجاج سألت عنهما فلم يخبرني أحد بخبرهما فلبست لأجلهما ثياب الحزن وأنا مرهون الفؤاد عديم الرقاد غريق دمع العي، ثم أنشد هذين البيتين: خيالهما عندي لـيس بـغـائب جعلت له القلب أشرف موضع ولولا رجاء لعود ما عشت ساعة ولولا خيال الطيف لم أتهجـع ثم كتب: بعد السلام عليك وعلى من عندك أعرفك أنك لا تتهاون في كشف الأخبار فإن هذا علينا عار، فلما قرأ الرسالة حزن على حزن أبيه وفرح لفقد أخته وأخيه وأخذ الكتاب ودخل به على زوجته نزهة الزمان ولم يعلم أنها أخته وهي لا تعلم أنه أخوها مع أنه يتردد عليها ليلاً ونهاراً إلى أن أكملت أشهرها وجلست على كرسي الطلق فسهل الله عليها الولادة فولدت بنتاً فأرسلت تطلب شركان فلما رأته قالت له: هذه ابنتك فسمها ما تريد فإن عادة الناس أن يسموا أولادهم في سابق يوم ولادتهم، ثم انحنى شركان على ابنتها وقبلها فوجد في عنقها خرزة معلقة من الثلاث خرزات التي جاءت بها الملكة إبريزة من بلاد الروم، فلما عاين الخرزة حتى عرفها حق المعرفة، ثم نظر إلى نزهة الزمان وقال لها: من أين جاءتك هذه الخرزة يا جارية؟ فلما سمعت من شركان ذلك الكلام قالت له: أنا سيدتك وسيدة كل من في قصرك أما تستحي وأنت تقول: يا جارية؟ وأنا ملكة بنت ملك والآن زال الكتمان واشتهر الأمر وبان أنا نزهة الزمان بنت الملك عمر النعمان فلما سمع منها هذا الكلام لحقه الارتعاش وأطرق برأسه إلى الأرض. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 وفي الليلة الثامنة والثمانين
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن شركان لما سمع هذا الكلام ارتجف قلبه واصفر لونه ولحقه الاتعاش وأطرق برأسه إلى الأرض وعرف أنها أخته من أبيه فغشي عليه، فلما أفاق صار يعجب ولكنه لم يعرفها بنفسه وقال لها: يا سيدتي هل أنت بنت الملك عمر النعمان؟ قالت: نعم فقال لها: وما سبب فراقك لأبيك وبيعك؟ فحكت له جميع ما وقع لها من الأول إلى الآخر وأخبرته أنها تركت أخاها مريضاً في بيت المقدس وأخبرته باختطاف البدوي لها وبيعه إياها للتاجر. فلما سمع شركان ذلك الكلام تحقق أنها أخته من أبيه وقال في نفسه: كيف أتزوج بأختي؟ لكن إنما أزوجها لواحد من حجاب وإذا ظهر أمر أدعي أنني طلقتها قبل الدخول وزوجتها بالحاجب الكبير. ثم رفع رأسه وتأسف وقال: يا نزهة الزمان أنت أختي حقيقة واستغفر الله من هذه الذنب الذي وقعنا فيه فإنني أنا شركان ابن الملك عمر النعمان. فنظرت إليه وتأملته فعرفته فلما عرفته غابت عن صوابها وبكت ولطمت وجهها وقالت: قد وقعنا في ذنب عظيم، ماذا يكون العمل وما أقول لأبي وأمي إذا قالا لي من أين جاءتك هذه البنت؟ فقال شركان: الرأي عندي أن أزوجك بالحاجب وأدعك تربي بنتي في بيته بحيث لا يعلم أحد بأنك أختي وهذا الذي قدره الله علينا وأراده، فلا يسترنا إلا زواجك بهذا الحاجب قبل أن يدري أحد. ثم صار يأخذ بخاطرها ويقبل رأيها فقالت له: وما تسمي البنت؟ قال: أسميها قضى فكان.

 وفي الليلة السابعة والثمانين
ثم زوجها للحاجب الأكبر ونقلها إلى بيته هي وبنتها فربوها على أكتاف الجواري وواظبوا عليها بالأشربة وأنواع السفوف، هذا كله وأخوها ضوء المكان مع الرقاد بدمشق. فاتفق أنه أقبل يوماً من الأيام من عند الملك عمر النعمان إلى الملك شركان ومعه رسالة فأخذها وقرأها فرأى فيها: بعد البسملة اعلم أيها الملك العزيز أني حزين حزناً شديداً على فراق الأولاد وعدمت الرقاد ولازمني السهاد وقد أرسلت هذه الرسالة إليك فحال حصولها بين يديك ترسل إلينا الخراج وترسل صحبته الجارية التي اشتريتها وتزوجت بها فإني أحببت أن أراها وأسمع كلامها لأنه جاءنا من بلاد الروم عجوز من الصالحات وصحبتها خمس جوار نهد أبكار وقد حازوا من العلم وفنون الحكمة ما يجب على الإنسان معرفته، ويعجز عن وصف هذه العجوز ومن معها اللسان، فإنهن جزن أنواع العلم والفضيلة والحكمة فلما رأيتهن أحببتهن وقد اشتهيت أن يكن في قصري وفي ملك يدي لأنه لا يوجد لهن نظير عند سائر الملوك، فسألت المرأة العجوز عن ثمنهن فقالت: لا أبيعهن إلا بخراج دمشق وأنا أرى خراج دمشق قليلاً في ثمنهن، فإن الواحدة منهن تساوي أكثر من هذا المبلغ، فأجبتها إلى ذلك ودخلت بهن قصري وبقين في حوزتي، فعجل لنا بالخراج لأجل أن تسافر المرأة بلادها وأرسل لنا الجارية لأجل أن تناظرهن. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثمانين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك عمر النعمان قال في مكتوبه: وأرسل لنا الجارية لأجل أن تناظرهن بين العلماء فإذا غلبتهن أرسلتها إليك وصحبتها خراج بغداد. فلما علم ذلك شركان أقبل على صهره وقال له: هات الجارية التي زوجتك إياها فلما حضرت أوفقها على الرسالة وقال لها: يا أختي ما عندك من الرأي في رد جوابنا عليه؟ فقالت له: الرأي رأيك، ثم قالت له وقد اشتاقت إلى أهلها ووطنها: أرسلني صحبة زوجة الحاجب لأجل أن أحكي لأبي حكايتي وأخبره بما وقع لي مع البدوي الذي باعني للتاجر وأخبره بأن التاجر باعني لك وزوجني للحاجب بعد عتقي، فقال لها شركان: وهو كذلك. ثم أخذ ابنته قضى فكان وسلمها للمراضع والخدم وشرع في تجهيز الخراج وأمر الحاجب أن يأخذ الخراج والجارية صحبته ويتوجه إلى بغداد فأجابه الحاجب بالسمع والطاعة فأمر بمحفة يجلس فيها وللجارية بمحفة أيضاً ثم كتب كتاباً وسلمه للحاجب وودع نزهة الزمان وكان قد أخذ منها الخرزة وجعلها في عنق أبيه في سلسلة من خاص الذهب، ثم سافر الحاجب في تلك الليلة، فاتفق أنه خرج ضوء المكان هو والوقاد في تلك الليلة يتفرجان فرأيا جمالاً وبغالاً ومشاعل وفوانيس مضيئة فسأل ضوء المكان عن هذه الأحمال وعن صاحبها، فقيل له: هذا خراج دمشق مسافر إلى الملك عمر النعمان صاحب مدينة بغداد فقال: ومن رئيس هذه المحافل؟ قيل: هو الحاجب الكبير الذي تزوج الجارية التي تعلمت العلم والحكمة. فعند ذلك بكى بكاء شديداً وتذكر أمه وأباه وأخته ووطنه وقال للوقاد: ما بقي لي قعود هنا بل أسافر مع هذه القافلة وأمشي قليلاً حتى أصل إلى بلادي، فقال له الوقاد: أنا ما آمنت عليك في القدس إلى دمشق فكيف آمن عليك إلى بغداد وأنا أكون معك حتى تصل إلى مقصدك، فقال ضوء المكان: حباً وكرامة فشرع الوقاد في تجهيز حاله ثم شد الحمار وجعل خرجه عليه ووضع فيه شيئاً من الزاد وشد وسطه وما زال على أهبة حتى جازت عليه الأجمال والحاجب راكب على هجين والمشاة حوله وركب ضوء المكان حمار الوقاد وقال للوقاد: اركب معي فقال: لا أركب ولكن أكون في خدمتك فقال ضوء المكان: لا بد أن تركب ساعة فقال: إذا تعبت اركب ساعة، ثم إن ضوء المكان قال للوقاد: يا أخي سوف تنظر ما أفعل بك إذا وصلت إلى أهلي، وما زالوا مسافرين إلى أن طلعت الشمس فلما اشتد عليهم الحر أمرهم الحاجب بالنزول واستراحوا وسقوا جمالهم ثم أمرهم بالمسير، وبعد خمسة أيام وصلوا إلى مدينة حماه ونزلوا بها وأقاموا بها ثلاثة أيام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 وفي الليلة التسعين
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنهم أقاموا في مدينة حماه ثلاثة أيام ثم سافروا وما زالوا مسافرين حتى وصلوا مدينة أخرى فأقاموا بها ثلاثة أيام، ثم سافروا حتى وصلوا إلى ديار بكر وهب عليهم نسيم بغداد فتذكر ضوء المكان أخته نزهة الزمان وأباه وأمه ووطنه وكيف يعود إلى أبيه بغير أخته فبكى وإن اشتكى واشتدت به الحسرات فأنشد هذه الأبيات: خليلي كم هذا التأنـى واصـبـر ولم يأتني منكم رسـول يخـبـر إلا أن أيام الـوصـال قـصـيرة فيا ليت أيام التفـرق تـقـصـر خذوا بيدي ثم ارحموا لصبابـتـي تلاشى بها جسمي وإن كنت أصبر فإن تطلبوا مني سلوا أقـل لـكـم فوالله ما أسلوا لي حين أحـشـر فقال له الوقاد: اترك هذا البكاء والأنين فإننا قريبون من خيمة الحاجب، فقال ضوء المكان: لا بد من إنشادي شيئاً من الشعر لعل نار قلبي تنطفئ، فقال له الوقاد: بالله عليك أن تترك الحزن حتى تتصل إلى بلادك وافعل بعد ذلك ما شئت وأنا معك حينما كنت، فقال ضوء المكان: والله لا أفتر عن ذلك. ثم التفت إلى ناحية بغداد وكان القمر مضيئاً وكانت نزهة الزمان لم تنم تلك الليلة لأنها تذكرت أخاها ضوء المكان فقلقت وصارت تبكي، فبينما هي تبكي إذ سمعت أخاها ضوء المكان يبكي وينشد هذه الأبيات: لمع البرق اليمـانـي فشجاني ما شجانـي من حبيب كان عنـدي ساقياً كأس التهانـي يا وميض البرق هـل ترجع أيام التـدانـي يا عذولي لا تلمـنـي إن ربي قد بـلانـي بحبيب غاب عـنـي وزمان قد دهـانـي قد تأت نزهة قلـبـي عندما ولى زمانـي وحوى لي الهم صرفاً وبكأس قد سقـانـي وأراني يا خـلـيلـي مت من قبل التدانـي يا زماناً للتـصـابـي عد قريباً بالأمـانـي في سرور مع أمـان من زمان قد رماني من لمسكين غـريب بات مرعوب الجنان صار في الحزن فريداً بعد نزهات الزمـان حكمت فينا بـرغـم كف أولاد الـزمـان فلما فرغ من شعره صاح وخر مغشياً عليه. هذا ما كان من أمره. وأما ما كان من أمر نزهة الزمان فإنها كانت ساهرة في تلك الليلة لأنها تذكرت أخاها في ذلك المكان، فلما سمعت ذلك الصوت بالليل ارتاح فؤادها وقامت وتنحنحت ودعت الخادم فقال لها: ما حاجتك؟ فقال له: قم وائتني بالذي ينشد الأشعار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح سكوتا طويلا.
وفي الليلة الواحدة والتسعين
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان لما سمعت من أخيها الشعر دعت الخادم الكبير وقالت له اذهب وائتني بمن ينشد هذه الأشعار فقال لها: إني لم أسمعه ولم أعرفه والناس كلهم نائمون، فقالت له: كل من رأيته مستيقظاً فهو الذي ينشد الأشعار ففتش فلم ير مستيقظاً سوى الرجل الوقاد، وأما ضوء المكان فإنه كان في غشيته، فلما رأى الوقد الخادم واقفاً على رأسه خاف منه فقال له الخادم: هل أنت الذي كنت تنشد الأشعار وقد سمعتك سيدتنا؟ فاعتقد الوقاد أن السيدة اغتاظت من الإنشاد فخاف وقال: والله ما هو أنا، فقال له الخادم: ومن الذي كان ينشد الشعر فدلني عليه فإنك تعرفه لأنك يقظان، فخاف الوقاد على ضوء المكان وقال في نفسه: ربما يضره الخادم بشيء فقال له: لم أعرفه فقال له الخادم: والله إنك تكذب فإنه ما هنا قاعدة إلا أنت فأنت تعرفه، فقال له الوقاد: أنا أقول لك الحق، إن الذي كان ينشد الأشعار رجل عابر طريق وهو الذي أزعجني وأقلقني فالله يجازيه فقال له الخادم: فإذا كنت تعرفه فدلني عليه وأنا أمسكه وآخذه إلى باب المحفة التي فيها سيدتنا وأمسكه أنت بيدك، فقال له اذهب أنت حتى آتيك به. فتركه الخادم وانصرف ودخل وأعلم سيدته بذلك وقال: ما أحد يعرفه لأنه عابر سبيل فسكتت.
ثم إن ضوء المكان لما أفاق من غشيته رأى القمر قد وصل إلى وسط السماء وهب عليه نسيم الأسحار فهيج في قلبه البلابل والأشجان فحسس صوته وأراد أن ينشد فقال له الوقاد : ماذا تريد أن تصنع ? فقال : أريد أن أنشد شيئاً من الشعر لأطفئ به نيران قلبي . قال له : أما علمت بما جرى لي وما سلمت من القتل إلا بأخذ خاطر الخادم . فقال له ضوء المكان : وماذا جرى فأخبرني بما وقع ? فقال : يا سيدي قد أتاني الخادم وأنت مغشي عليك ومعه عصا طويلة من اللوز وجعل يتطلع في وجوه الناس وهم نائمون ويسأل على كل من ينشد الأشعار فلم يجد من هو مستيقظ غيري فسألني فقلت له : إنه عابر سبيل فانصرف وسلمني الله منك وإلا كان قتلني . فقال لي : إذا سمعته ثانياً فإت به عندنا . فلما سمع ضوء المكان ذلك بكى وقال : من يمنعني من الإنشاد فأنا أنشد ويجري علي ما يجري فإني قريب من بلادي ولا أبالي بأحد . فقال له الوقاد : أنت ما مرادك إلا هلاك نفسك . فقال له ضوء المكان : لابد من إنشاد . فقال له الوقاد : قد وقع الفراق بيني وبينك من هنا وكان مرادي أن لا أفارقك حتى تدخل مدينتك وتجتمع بأبيك وأمك وقد مضى لك عندي سنة ونصف وما حصل لك مني ما يضرك فما سبب إنشادك الشعر ونحن متعبين من المشي والسهر والناس قد هجعوا يستريحون من المشي ومحتاجون إلى النوم . فقال ضوء المكان : لا أعود عما أنا فيه . ثم هزته الأشجان فباح بالكتمان وأخذ ينشد هذه الأبيات : قف بالديار وحي الأربع الدرسـا ........ ونادها فعساها أن تجيب عـسـا فإن أجنك ليل من تـوحـشـهـا ........ أوقد من الشوق في ظلماتها قبسا إن صل عذاريه فـلا عـجـب ........ أن يجن لسعا وأن أجتني لعسـا يا جنة فارقتها النفس مـكـرهة ........ لولا التأسي بدار الخلد مت أسى وأنشد أيضاً هذين البيتين : كنـا وكـانـت الأيام خــادمة ........ والشمل مجتمع في أبهج الوطن من لي بدار أحباب وكان بـهـا ........ ضوء المكان وفيها نزهة الزمن فلما فرغ من شعره صاح ثلاث صيحات ثم وقع مغشياً عليه فقام الوقاد وغطاه ، فلما سمعت نزهة الزمان ما أنشده من الأشعار المتضمنة لذكر اسمها واسم أخيها ومعاهدهما بكت وصاحت على الخادم وقالت : ويلك إن الذي أنشد أولاً أنشد ثانياً وسمعته قريباً مني ، والله إن لم تأتني به لأنبهن عليك الحاجب فيضربك ويطردك ، ولكن خذ هذه الألف دينار وائتني به برفق فإن أبى فادفع له هذا الكيس الذي فيه ألف دينار فإن أبى فاتركه واعرف مكانه وصنعته ومن أي بلاد هو وارجع بسرعة .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

الليلة الثانية والتسعين
بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة المكان أرسلت الخادم يفتش عليه وقالت له : إذا وجدته فلاطفه وائتني به برفق . فخرج الخادم يتأمل في الناس ويدوس بينهم وهم نائمون فلم يجد أحد مستيقظاً ، فجاء إلى الوقاد فوجده قاعداً مكشوف الرأس فدنا منه وقبض على يده وقال له : أنت الذي كنت تنشد الشعر . فخاف على نفسه وقال : لا يا مقدم القوم ما هو أنا . فقال الخادم : لا أتركك حتى تدلني على من كان ينشد الشعر لأني لا أقدر الرجوع إلى سيدتي من دونه . فلما سمع الوقاد كلام الخادم خاف على ضوء المكان وبكى بكاء شديداً وقال للخادم : والله ما هو أنا وإنما سمعت إنساناً عابر سبيل ينشد فلا تدخل في خطيئتي فإني غريب وجئت من بلاد القدس . فقال الخادم للوقاد : قم أنت معي إلى سيدتي وأخبرها بفمك فإني ما رأيت أحداً مستيقظاً غيرك . فقال الوقاد : أما جئت ورأيتني في الموضع الذي أنا قاعد فيه وعرفت مكاني وما أحد يقدر في هذه الساعة ينشد شيئاً من الشعر سواء كان بعيداً أو قريباً لا تعرفه إلا مني . ثم باس رأس الخادم وأخذ بخاطره فتركه الخادم ودار دورة وخاف أن يرجع إلى سيدته بلا فائدة فاستتر في مكان غير بعيد من الوقاد فقام الوقاد إلى ضوء المكان ونبهه وقال له : اقعد حتى أحكي لك ما جرى . وحكى له ما وقع فقال له : دعني فإني لا أبالي بأحد فإن بلادي قريبة . فقال الوقاد لضوء المكان : لأي شيء أنت مطاوع نفسك وهواك ولا تخاف من أحد وأنا خائف على روحي وروحك ، بالله عليك أنك لا تتكلم بشيء من الشعر حتى ندخل بلدك وأنا ما كنت أظنك على هذه الحالة ، أما علمت أن زوجة الحاجب تريد زجرك لأنك أقلقتها وقد كانت ضعيفة وتعبانة من السفر ، وكم مرة قد أرسلت الخادم يفتش عليك . فلم يلتفت ضوء المكان إلى كلام الوقاد بل صاح ثالثاً وأنشد هذه الأبيات : تركـت كــل لائم ........ ملامه أقلـقـنـي يعذلنـي ومـا درى ........ بابه حـرضـنـي قال الوشاة قد سـلا ........ قلت لحب الوطـن قالوا فمـا أحـنـه ........ قلت فما أعشقنـي قالوا فـمـا أعـزه ........ قلت فمـا أذلـنـي هيهات أن أتـركـه ........ لو ذقت كأس الشجن وما أطعـت لائمـاً ........ في الهوى يعذلنـي وكان الخادم يسمعه وهو مستخف فما فرغ من شعره إلا والخادم على رأسه فلما رآه الوقاد فر ووقف بعيداً ينظر ما يقع بينهما ، فقال الخادم : السلام عليكم يا سيدي . فقال ضوء المكان : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . فقال الخادم : يا سيدي .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح

الليلة الثالثة والتسعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم قال لضوء المكان : يا سيدي إني أتيت إليك في هذه الليلة ثلاث مرات لأن سيدتي تطلبك عندها . قال ضوء المكان : ومن أين هذه الكلبة حتى تطلبني مقتها الله ومقت زوجها معها . ونزل في الخادم شتماً فما قدر الخادم أن يرد عليه لأن سيدته أوصته أن لا يأتي به إلا بمراده هو فإن لم يأت معه يعطيه الألف دينار ، فجعل الخادم يلين له الكلام ويقول له : يا ولد أنا ما أخطأت معك ولا جرنا عليك ، فالقصد أن تصل بخواتك الكريمة إلى سيدتنا وترجع في خير وسلامة ، ولك عندنا بشارة . فلما سمع ذلك الكلام قام ومشى بين الناس والوقاد ماشي خلفه ، ونظر إليه وهو يقول في نفسه : يا خسارة شبابه في الغد يشنقونه . وما زال الوقاد ماشياً حتى قرب من مكانهم وقال : ما أخسه إن كان يقول علي هو الذي قال لي أنشد الأشعار . هذا ما كان من أمر الوقاد . وأما ما كان من أمر ضوء المكان فإنه ما زال ماشياً مع الخادم حتى وصل إلى المكان ودخل الخادم على نزهة الزمان وقال لها : قد جئت بما تطلبينه وهو شاب حسن الصورة وعليه أثر النعمة . فلما سمعت ذلك خفق قلبها وقالت له : أأمره أن ينشد شيئاً من الشعر حتى أسمعه ومن قرب وبعد ذلك أسأله عن اسمه ومن أي البلاد هو . فخرج الخادم إليه وقال له : أنشد شيئاً من الشعر حتى تسمعه سيدتي فإنها حاضرة بالقرب منك وأخبرني عن اسمك وبلدك وحالك . فقال : حباً وكرامة ولكن حيث سألتني عن اسمي فإنه محي ورسمي فني وجسمي بلي ولي حكاية تدون بالإبر على آفاق البصر وها أنا في منزلة السكران الذي أكثر الشراب وحلت به الأوصاب فتاه عن نفسه واحتار في أمره وغرق في بحر الأفكار . فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام بكت وزادت في البكاء والأنين وقالت للخادم : قل له هل فارقت أحداً ممن تحب مثل أمك وأبيك ? فسأله الخادم كما أمرته نزهة الزمان فقال ضوء المكان : نعم فارقت الجميع وأعزهم عندي أختي التي فرق الدهر بيني وبينها . فلما سمعت نزهة الزمان منه هذا الكلام قالت : الله يجمع شمله بمن يحب .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

الليلة الرابعة والتسعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان لما سمعت كلامه قالت : الله يجمع شمله بمن يعشق . ثم قالت للخادم : قل له أن يسمعنا شيئاً من الأشعار المتضمنة لشكوى الفراق . فقال له الخادم كما أمرته سيدته فصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات : ليت شعري لو دروا ........ أي قلب ملـكـوا وفـؤادي لـو درى ........ أي شعب سلكـوا أتراهم سـلـمـوا ........ أم تراهم هلـكـوا حار أرباب الهـوى ........ في الهوى وارتبكوا وأنشد أيضاً هذه الأبيات : أضحى التنائي بديلاً من تدانـينـا ........ وناب عن طيب لقيانا تجافـينـا بنتم وبنا فما ابتلت جـوانـحـنـا ........ شوقاً إليكم ولا جفت مـآقـينـا غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ........ بأن نغص فقال الدهـر آمـينـا إن الزمان الذي ما زال يضحكنـا ........ أنا بقربكم قـد عـاد يبـكـينـا يا جنة الخلد بدلنا بسلـسـلـهـا ........ والكوثر العذاب زقوماً وغسلينـا ثم سكب العبرات وأنشد هذه الأبيات : لله نـذران أزر مـكـانـي ........ وفيه أختي نزهة الـزمـان لأقضين بالصفـا زمـانـي ........ ما بين غيدي خرد حـسـان وصوت عود مطرب الألحان ........ مع ارتضاع كأس بنت الحان ورشف اللمى فاتر الأجفـان ........ بشط نهر سال في بسـتـان فلما فرغ من شعره وسمعته نزهة الزمان كشفت ذيل الستارة عن المحفة ونظرت إليه فلما وقع بصرها على وجهه عرفته غاية المعرفة فصاحت قائلة : يا أخي يا ضوء المكان . فرفع بصره إليها فعرفها وصاح قائلاً : يا أختي يا نزهة الزمان . فألقت نفسها عليه فتلقاها في حضنه ووقع الاثنان مغشياً عليهما فلما رآهما الخادم على تلك الحالة تحير في أمرهما وألقى عليهما شيئاً سترهما به وصبر حتى أفاقا من غشيتهما ، وفرحت نزهة الزمان غاية الفرح وزال عنها الهم والترح وتوالت عليها المسرات وأنشدت هذه الأبيات : الدهر أقسـم لا يزال مـكـدري ........ حنثت يمينك يا زمان فـكـفـر السعد وافى والحبيب مسـاعـدي ........ فانهض إلى داعي السرور وشمر ما كنت أعتقد السـوالـف جـنة ........ حتى ظفرت من اللمى بالكوثـر فلما سمع ذلك ضوء المكان ضم أخته إلى صدره وفاضت لفرط سروره من أجفانه العبرات وأنشد هذه الأبيات : ولقد ندمت على تفرق شملنـا ........ ندماً أفاض الدمع من أجفاني ونذرت أن عاد الزمان يلمنـا ........ لا عدت أذكر فرقة بلسانـي هجم السرور علي حتى أنـه ........ من فرط ما قد سرني أبكاني يا عين صار الدمع عندك عادة ........ تبكين من فرح ومن أحـزان وجلسا على باب المحفة ساعة ثم قالت : قم ادخل المحفة واحك لي ما وقع لك وأنا أحكي لك ما وقع لي . فقال ضوء المكان : احكي لي أنت أولاً . فحكت له جميع ما وقع لها منذ فارقته من الخان وما وقع لها من البدوي والتاجر وكيف اشتراها منه وكيف أخذها التاجر إلى أخيها شركان وباعها له وأن شركان أعتقها من حين اشتراها وكتب كتابه عليها ودخل بها وأن الملك إباها سمع بخبرها فأرسل إلى شركان يطلبها منه . ثم قالت له : الحمد لله الذي من علي بك ومثل ما خرجنا من عند والدنا سوية نرجع إليه سوية . ثم قالت له : إن أخي شركان زوجني بهذا الحاجب لأجل أن يوصلني إلى والدي وهذا ما وقع لي من الأول إلى الآخر ، فاحك لي أنت ما وقع لك بعد ذهابي من عندك . فحكى لها جميع ما وقع له من الأول إلى الآخر وكيف من الله عليه بالوقاد وكيف سافر معه وأنفق عليه ماله وأنه كان يخدمه في الليل والنهار فشكرته على ذلك ثم قال لها : يا أختي إن هذا الوقاد فعل معي من الإحسان فعلاً لا يفعله أحد مع أحد من أحبابه ولا الوالد مع ولده حتى أنه كان يجوع ويطعمني ويمشي ويركبني وكانت حياتي على يديه . فقالت نزهة الزمان : إن شاء الله تعالى نكافئه بما نقدر عليه . ثم إن نزهة الزمان صاحت على الخادم فحضر وقبل يد ضوء المكان فقالت له نزهة الزمان : خذ بشارتك يا وجه الخير لأن جمع شملي بأخي على يديك ، فالكيس الذي معك وما فيه لك ، فاذهب وائتني بسيدك عاجلاً . ففرح الخادم وتوجه إلى الحاجب ودخل عليه ودعاه إلى سيدته فأتى به ودخل على زوجته نزهة الزمان فوجد عندها أخاها فسأل عنه فحكى له ما وقع لهما من أوله إلى آخره ثم قالت : اعلم أيها الحاجب أنك ما أخذت جارية وإنما أخذت بنت الملك عمر النعمان فأنا نزهة وهذا أخي ضوء المكان . فلما سمع الحاجب القصة منها تحقق ما قالته وبان له الحق الصريح وتيقن أنه صار صهر الملك عمر النعمان فقال في نفسه : مصيري أن آخذ نيابة على قطر من الأقطار . ثم أقبل على ضوء المكان وهنأه بسلامته وجمع شمله بأخته ، ثم أمر خدمه في الحال أن يهيئوا لضوء المكان خيمة ركوبه من أحسن الخيول فقالت له زوجته : إنا قد قربنا من بلادنا ، فأنا أختلي بأخي ونستريح مع بعضنا ونشبع من بعضنا قبل أن نصل إلى بلادنا ، فإن لنا زمناً طويلاً ونحن متفرقان . فقال الحاجب : الأمر كما تريدان . ثم أرسل إليهما الشموع وأنواع الحلاوة وخرج من عندهما وأرسل إلى ضوء المكان ثلاث بدلات من أفخر الثياب وتمشى إلى أن جاء إلى المحفة وعرف مقدار نفسه ، فقالت له نزهة الزمان : أرسل إلى الخادم وأمره أن يأتي بالوقاد ويهيئ له حصاناً ويركبه ويرتب له سفرة طعام في الغداة والعشي ويأمره أن لا يفارقنا . فعند ذلك أرسل الحاجب إلى الخادم وأمره أن يفعل ذلك فقال : سمعاً وطاعة . ثم إن الخادم أخذ غلمانه وراح يفتش على الوقاد إلى أن وجده في آخر الركب وهو يشد حماره ويريد أن يهرب ودموعه تجري على خده من الخوف على نفسه ومن حزنه على فراق ضوء المكان وصار يقول : نصحته في سبيل الله فلم يسمع مني ، يا ترى كيف حاله . فلم يتم كلامه إلا والخادم واقف فوق رأسه ورأى الغلمان حوله فاصفر لونه وخاف .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

 الليلة الخامسة والتسعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الوقاد لما أراد أن يشد حماره ويهرب وصار يكلم نفسه ويقول : يا ترى كيف حاله . فما أتم كلامه إلا والخادم واقف فوق رأسه والغلمان حوله ، فالتفت الوقاد فرأى الخادم واقفاً على رأسه فارتعدت فرائصه وخاف وقال وقد رفع صوته بالكلام : إنه ما عرف مقدار ما عملته معه من المعروف فأظن أنه غمز الخادم وهؤلاء الغلمان علي وأنه أشركني معه في الذنب . وإذا بالخادم صاح عليه وقال له : من الذي كان ينشد الأشعار ، يا كذاب ? كيف تقول لي أنا ما أنشد الأشعار ولا أعرف من أنشدها وهو رفيقك فأنا لا أفارقك من هنا إلى بغداد والذي يجري على رفيقك يجري عليك . فلما سمع الوقاد كلامه قال في نفسه : ما خفت منه وقعت فيه ثم أنشد هذا البيت : كان الذي خفت أن يكونا ........ إنا إلى الله راجعـونـا ثم إن الخادم صاح على الغلمان وقال لهم : أنزلوه عن الحمار . فأنزلوا الوقاد عن حماره وأتوا له بحصان فركبه ومشى صحبة الركب والغلمان حوله محدقون به وقال لهم الخادم : إن عدم منه شعرة كانت بواحد منكم ولكن أكرموه ولا تهينوه . فلما رأى الوقاد الغلمان حوله يئس من الحياة والتفت إلى الخادم وقال له : يا مقدم أنا ما لي أخوة ولا أقارب وهذا الشاب لا يقرب لي ولا أنا اقرب له وإنما أنا رجل وقاد في حمام ووجدته ملقى على المزبلة مريضاً . وصار الوقاد يبكي ويحسب في نفسه ألف حساب والخادم ماش بجانبه ولم يعرفه بشيء بل يقول له : قد أقلقت سيدتنا بإنشادك الشعر أنت وهذا الصبي ولا تخف على نفسك . وصار الخادم يضحك عليه سراً ، وإذا نزلوا أتاهم الطعام فيأكل هو والوقاد في آنية واحدة فإذا أكلوا أمر الخادم الغلمان أن يأتوا بقلة سكر فشرب منها ويعطيها للوقاد فيشرب لكنه لا تنشف له دمعة من الخوف على نفسه والحزن على فراق ضوء المكان وعلى ما وقع لهما في غربتهما وهما سائران والحاجب تارة يكون من باب المحفة لأجل خدمة ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان ونزهة الزمان وتارة يلاحظ الوقاد وصارت نزهة الزمان وأخوها ضوء المكان في حديث وشكوى . ولم يزالا على تلك الحالة وهم سائرون حتى قربوا من البلاد ولم يبق بينهم وبين البلاد إلا ثلاثة أيام فنزلوا وقت المساء واستراحوا ولم يزالوا نازلين إلى أن لاح الفجر فاستيقظوا وأرادوا أن يحملوا وإذا بغبار عظيم قد لاح فهم وأظلم الجو منه حتى صار كالليل الداجي ، فصاح الحاجب قائلاً : أمهوا ولا تحملوا . وركب هو ومماليكه وساروا نحو ذلك الغبار ، فلما قربوا منه بان من تحته عسكر جرار كالبحر الزخار وفيه رايات وأعلام وطبول وفرسان وأبطال فتعجب الحاجب من أمرهم ، فلما رآهم العسكر افترقت منه فرقة قدر خمسمائة فارس وأتوا إلى الحاجب هو ومن معه وأحاطوا بهم وأحاط كل خمسة من العسكر بمملوك من مماليك الحاجب فقال لهم الحاجب : أي شيء الخبر ومن أين هذه العساكر حتى تفعل معنا هذه الأفعال ? فقالوا له : من أنت ومن أين أتيت وإلى أن تتوجه ? فقال لهم : أنا حاجب أمير دمشق الملك شركان ابن الملك عمر النعمان صاحب بغداد وأرض خراسان أتيت من عنده بالخراج والهدية متوجهاً إلى والده ببغداد . فلما سمعوا كلامه أرخوا مناديلهم على وجوههم وبكوا وقالوا : إن الملك عمر النعمان قد مات وما مات إلا مسموماً ، فتوجه وما عليك بأس حتى تجتمع بوزيره الأكبر الوزير دندان . فلما سمع الحاجب ذلك الكلام بكى بكاء شديداً وقال : واخيبتاه في هذه السفرة . وصار يبكي هو ومن معه إلى أن اختلطوا بالعسكر فاستأذنوا له الوزير دندان فأذن له وأمر الوزير بضرب خيامه وجلس على سرير في وسط الخيمة وأمر الحاجب بالجلوس ، فلما جلس سأله عن خبره فأعلمه أنه حاجب أمير دمشق وقد جاء بالهدايا وخراج دمشق . فلما سمع الوزير دندان ذلك بكى عند ذكر الملك عمر النعمان ، ثم قال له الوزير دندان : أن عمر النعمان قد مات مسموماً وبسبب موته اختلف الناس فيمن يولونه بعده حتى أوقعوا القتل في بعضهم ولكن منعهم عن بعضهم الأكابر والأشراف والقضاة الأربعة واتفق جميع الناس على أن ما أشار به القضاة الأربعة لا يخالفهم فيه أحد ، فوقع الاتفاق على أننا نسير إلى دمشق ونقصد ولده الملك شركان ونجيء به ونسلطنه من مملكة أبيه ، وفيهم جماعة يريدون ولده الثاني وقالوا أنه يسمى ضوء المكان وله أخت تسمى نزهة الزمان وكانا قد توجها إلى أرض الحجاز ومضى لهما خمسن سنين ولم يقع لهما أحد على خبر . فلما سمع الحاجب ذلك علم أن القضية التي وقعت لزوجته صحيحة فاغتم لموت الملك غماً عظيماً ولكنه فرح فرحاً شديداً وخصوصاً بمجيء ضوء المكان لأنه يصير سلطاناً ببغداد مكان أبيه .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

 الليلة السادسة والتسعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن حاجب شركان لما سمع من الوزير دندان ما ذكره من خبر الملك عمر النعمان تأسف إلى الوزير دندان وقال : إن قصتكم أعجب من العجائب ، اعلم أيها الوزير الكبير أنكم حيث صادفتموني الآن أراحكما لله من التعب وقد جاء الأمر كما تشتهون على أهون سبب لأن الله رد ضوء المكان هو وأخته نزهة الزمان وانصلح الأمر وهان . فلما سمع الوزير دندان هذا الكلام فرح به فرحاً شديداً ثم قال : أيها الحاجب أخبرني بقصتهما وبما جرى لهما وبسبب غيابهما . فحدثه بحديث نزهة الزمان وأنها صارت زوجته ، وأخبره بحديث ضوء المكان من أوله إلى آخره . فلما فرغ الحاجب من حديثه أرسل الوزير دندان إلى الأمراء والوزراء وأكابر الدولة وأطلعهم على القصة ففرحوا بذلك فرحاً شديداً وتعجبوا من هذا الاتفاق . ثم اجتمعوا كلهم وجاؤوا عند الحاجب ووقفوا في خدمته وقبلوا الأرض بين يديه ، وأقبل الوزير من ذلك الوقت على الحاجب ووقف بين يديه ، ثم إن الحاجب عمل في ذلك اليوم ديواناً عظيماً وجلس هو والوزير دندان على التخت وبين أيديهما جميع الأمراء والكبراء وأرباب المناصب على حسب مراتبهم ثم بلوا السكر في ماء الورد وشربوا ، ثم قعد الأمراء للمشورة وأعطوا بقية الجيش أذناً في أن يركبوا مع بعضهم ويتقدموا قليلاً حتى يتموا المشورة ويلحقوهم فقبلوا الأرض بين يدي الحاجب وركبوا وقدامهم رايات الحرب . فلما فرغ الكبار من مشورتهم ركبوا ولحقوا العساكر ، ثم أرسل الحاجب إلى الوزير دندان وقال له : الرأي عندي أن أتقدم وأسبقكم لأجل أن أهيء للسلطان مكاناً يناسبه وأعلمه بقدومكم وأنكم اخترتموه على أخيه شركان سلطاناً عليكم . فقال الوزير دندان : نعم الرأي الذي رأيته . ثم نهض الوزير دندان تعظيماً له وقدم له التقاديم وأقسم عليه أن يقبلها وكذلك الأمراء والكبار وارباب المناصب قدموا له التقاديم ودعوا له وقالوا له : لعلك تحدث السلطان ضوء المكان في أمرنا ليبقينا مستمرين في مناصبنا . فأجابهم لما سألوه ، ثم أمر غلمانه بالسير فأرسل الوزير دندان الخيام مع الحاجب وأمر الفراشين أن ينصبوها خارج المدينة بمسافة يوم . فامتثلوا لأمره وركب الحاجب وهو في غاية الفرح وقال في نفسه : ما أبرك هذه السفرة . وعظمت زوجته في عينه وكذلك ضوء المكان ثم جد في السفر إلى أن وصل إلى مكان بينه وبين المدينة مسافة يوم ثم أمر بالنزول فيه لأجل الراحة وتهيئة مكان لجلوس السلطان ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان ثم نزل من بعيد هو ومماليكه وأمر الخدام أن يستأذنوا السيدة نزهة الزمان في أن تدخل عليهما فاستأذنوها في شأن ذلك فأذنت له فدخل عليها واجتمع بها وبأخيها وأخبرهما بموت أبيهما وأن ضوء المكان جعله الرؤساء ملكاً عليهم عوضاً عن أبيه عمر النعمان وهنأهما بالملك وفي غد يكون هو والجيش كله في هذا المكان وما بقي في الأمر أيها الملك إلا أن تفعل ما أشاروا به لأنهم كلهم اختاروك سلطاناً وأن لم تفعل سلطنوا غيرك وأنت لا تأمن على نفسكم من الذي يتسلطن غيرك فربما يقتلك أو يقع الفشل بينكما ويخرج الملك من أيديكما فأطرق برأسه ساعة من الزمان ثم قال : قبلت هذا الأمر لأنه لا يمكن التخلي عنه . وتحقق أن الحاجب تكلم بما فيه الرشاد ثم قال للحاجب : يا عم وكيف أعمل مع أخي شركان ? فقال : يا ولدي أخوك يكون سلطان دمشق وأنت سلطان بغداد ، فشد عزمك وجهز أمرك . فقبل منه ضوء المكان ذلك ، ثم إن الحاجب قدم إليه البدلة التي كانت مع الوزير دندان من ملابس الملوك وناوله النمشة وخرج من عنده وأمر الفراشين أن يختاروا موضعاً عالياً وينصبوا فيه خيمة واسعة عظيمة للسلطان ليجلس فيها إذا أقدم عليه المراء ، ثم أمر الطباخين أن يطبخوا طعاماً فاخراً ويحضروه ، وأمر السقائين أن ينصبوا حياض الماء ، وبعد ساعة طار الغبار حتى سد الأقطار ، ثم انكشف ذلك الغبار وبان من تحته عسكر جرار مثل البحر الزخار .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

الليلة السابعة والتسعين
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب لما أمر الفراشين أن ينصبوا خيمة واسعة لاجتماع الناس عند الملك نصبوا خيمة عظيمة على عادة الملوك ، فلما فرغوا من أشغالهم وإذا بغبار قد طار ثم محق الهواء ذلك الغبار وبان من تحته عسكر جرار وتبين أن ذلك العسكر عسكر بغداد وخراسان ومقدمه الوزير دندان وكلهم فرحوا بسلطنة ضوء المكان وقابلهم لابساً خلعة الملك متقلداً بسيف الموكب فقدم له الحاجب الفرس فركب وسار هو ومماليكه وجميع من في الخيام مشى في خدمته حتى دخل القبة الكبيرة وجلس ووضع النمشة على فخذيه ووقف الحاجب في خدمته بين يديه ووقفت مماليكه في دهليز الخيمة وشهروا في أيديهم السيوف ثم أقبلت العساكر والجيوش وطلبوا الإذن فدخل الحاجب واستأذن لهم ضوء المكان فأمر أن يدخلوا عليه عشرة عشرة فأعلمهم الحاجب بذلك فأجابوه بالسمع والطاعة ووقف الجميع على باب الدهليز فدخل عشرة منهم فشق بهم الحاجب في الدهليز ودخل بهم على السلطان ضوء المكان . فما رأوه هابوه فتلقاهم أحسن ملتقى ووعدهم بكل خير فهنئوه بالسلامة ودعوا له وحلفوا له الإيمان الصادقة أنهم لا يخالفون له أمراً ثم قبلوا الأرض بين يديه وانصرفوا ودخل عشرة آخرين ففعل بهم مثل ما فعل بغيرهم ولم يزالوا يدخلون عشرة بعد عشرة حتى لم يبق غير الوزير دندان ، فدخل عليه وقبل الأرض بين يديه فقام إليه ضوء المكان وأقبل عليه وقال له : مرحباً بالوزير والوالد الكبير ، إن فعلك فعل المشير العزيز والتدبير بيد اللطيف الخبير . ثم إن الملك ضوء المكان قال للوزير دندان : أؤمر العسكر بالإقامة عشرة أيام حتى أختلي بك وتخبرني بسبب قتل أبي . فامتثل الوزير قول السلطان وقال : لابد من ذلك . ثم خرج إلى وسط الخيام وأمر العسكر بالإقامة عشرة أيام فامتثلوا أمره ، ثم إن الوزير أعطاها إذناً أنهم يتفرجون ولا يدخل أحد من أرباب الخدمة عند الملك مدة ثلاثة أيام فتضرع جميع الناس ودعوا لضوء المكان بدوام العز . ثم أقبل عليه الوزير وأعلمه بالذي كان فصبر إلى الليل ودخل على أخته نزهة الزمان وقال لها : أعلمت بسبب قتل أبي ولم نعلم بسببه كيف كان ? فقالت : لم أعلم سبب قتله . ثم إنها ضربت لها ستارة من حرير وجلس ضوء المكان خارج الستارة وأمر بإحضار الوزير دندان فحضر بين يديه فقال له : أريد أن تخبرني تفصيلاً بسبب قتل أبي الملك عمر النعمان . قال الوزير دندان : لما أتى الملك عمر النعمان من الصيد والقنص وجاء إلى المدينة سأل عنكما فلم يجدكما فعلم أنكما قد قصدتما الحج فاغتم لذلك وازداد به الغيظ وضاق صدره وأقام نصف سنة وهو يستخبر عنكما كل شارد ووارد فلم يخبره أحد عنكما . فبينما نحن بين يديه يوماً من الأيام بعدما مضى لكما سنة كاملة من تاريخ فقدكما وإذا بعجوز عليها آثار العبادة قد وردت علينا ومعها خمس جوار نهد أبكار كأنهن الأقمار وحوين من الحسن والجمال ما يعجز عن وصفه اللسان ، ومع كمال حسنهن يقرأن القرآن ويعرفن الحكمة وأخبار المتقدمين فاستأذنت تلك العجوز في الدخول على الملك فأذن لها فدخلت عليه وقبلت الأرض بين يديه وكنت أنا جالساً بقرب الملك فلما دخلت عليه قربها إليه لما رأى عليها آثار الزهد والعبادة ، فلما استقرت العجوز عنده أقبلت عليه وقالت له : اعلم أيها الملك أن معي خمس جوار ما ملك أحد من الملوك مثلهن لأنهن ذوات عقل وجمال وحسن وكمال يقرأن القرآن والروايات ويعرفن العلوم وأخبار الأمم السالفة وهن بين يديك وواقفات في خدمتك يا ملك الزمان وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان . فنظر المرحوم والدك إلى الجواري من أخبار الناس الماضين والأمم السابقين .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More