ما ورد عن السلف في مسألة تدبر القرآن الكريم:
عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "كان
الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن
إلا السورة ونحوها ورزقوا العمل بالقرآن، وإن آخـــر هذه الأمة يقرؤون القرآن،
منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به. وفي هذا المعنى قال ابن مسعود: إنا صعب
علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسهل علينا العمل به، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ
القرآن ويصعب عليهم العمل به"[1].
روى مالك عــــن نافع عن ابن عمر قال:
"تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزوراً[2].وطول
المدة ليس عجزاً من عمر ولا انشغالاً عن القرآن؛ فما بقي إلا أنه التدبر.
عن ابن عباس قـال: "قدم على عمر رجل فجعل
عمر يسأل عن الناس فقال: يا أمير المؤمنين! قد قرأ الـقــرآن منهم كذا وكذا، فقلت:
والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة. قـــــال: فزبرني عمر،
ثم قال: مه! فانطلقت لمنزلي حزيناً فجاءني، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل
آنفاً؟ قلت: متى ما يسارعوا هذه المسارعة يحتقوا - يختصموا: كلٌ يقول الـحــــق
عندي - ومتى يحتقوا يختصموا، ومتى اختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا،
فـقــال عـمــــر: لله أبوك! لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها"[3]،
وقد وقـع ما خشي منه عـمــــر وابن عـبــــاس - رضي الله عنهما - فخرجت الخوارج
الذين يقرؤون القرآن؛ لكنه لا يجاوز تراقيهم.
عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: "لأن أقرأ
في ليلتي حتى أصبح بـ (إذا زلزلت) و (القارعة) لا أزيد عليهما أحب إليَّ من أن
أهذَّ القرآن ليلتي هذّاً. أو قال: أنثره نثراً"[4].
قال الحـسـن البصري: "إن هذا القرآن قد
قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، وما تدبُّر آياته إلا بإتباعه، وما هو بحفظ
حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن فما أسـقـطـت منه حرفاً
وقد - والله! - أسقطه كله ما يُرى القرآن له في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهـــم
ليقول: إني لأقرأ السورة في نَفَسٍ! والله! ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا
الحكماء ولا الوَرَعــة مـتى كـانـت الـقــراء مـثـل هــذا؟ لا كـثَّــر الله في
الناس أمثالهم"[5].
وقال الحسن أيضاً: "نزل القرآن ليُتَدَبَّر ويعمل به؛ فاتخذوا تلاوته عملاً[6].
أي أن عمل الناس أصبح تلاوة القرآن فقط بلا تدبر ولا عمل به".
وكان شعبة بن الحجاج بن الورد يقول لأصحاب
الحديث: "يا قوم! إنكم كلما تقدمتم فـي الـحـديـث تـأخـرتـم في القرآن"[7].
وفي هذا تنبيه لمن شغلته دراسة أسانيد الحديث ومسائل الفقه عن القرآن وتدبره أنه
قد فقد توازنه واختل ميزانه.
[1]
تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن (،الإمام أبو عبد الله القرطبي، لمحقق
: هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب ، الرياض ، المملكة العربية السعودية،2003،
1/39-40
[2]
نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي - محمد بن حسن بن عقيل
موسى الشريف، المحقق: محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف، دار الأندلس الخضراء،2008،
1/35/أ
[3]
نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي - محمد بن حسن بن عقيل
موسى الشريف، ،المرجع السابق، 1/279
[4]
الزهد والرقائق، عبد الله بن المبارك المروزي، المحقق: أحمد فريد ، ار المعراج
الدولية للنشر، 1995، 97 .
وموسوعة
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن
ملُّوح ، دار الوسيلة للنشر والتوزيع ، 1998، 913
[5]
الزهد والرقائق، عبد الله بن المبارك المروزي، مرجع سبق ذكره، 276
مفاتيح
للتعامل مع القرآن، صلاح عبد الفتاح الخالدي ، دار القلم ، دمشق ، 1994،63
[7]
نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي - محمد بن حسن بن عقيل
موسى الشريف، ، مرجع سبق ذكره ، 2/582
0 التعليقات:
إرسال تعليق